متساكن مواطن قبل ذكاء المدن

November 11th, 2019 متساكن مواطن قبل ذكاء المدن

انتخبت تونس العام الماضي أول مجالس بلدية حقيقية. فتم الآن تحرير المجالس من وزارة الداخلية وأصبح لديها وزارة جديدة خاصة بالشؤون المحلية والبيئية. الانّ المجالس تمثل تمثيلا فعليّا لمجتمعهم، ولا ينتمي أعضاؤهم جميعًا إلى الحزب السياسي الوحيد ذو القرارات المركزية المفروضة؛ الآن يمكن للمجالس البلدية أن تتجادل وتتفق على كل قرار في المدينة، ويمكن لكل منهما التأكد من أن أي محاولات الفساد سيتم كشفها ونشرها بشكل جيد على وسائل التواصل الاجتماعي.

تعمل المجالس حسب تشريع للحكم المحلي شامل جدًا، والذي تمت الموافقة عليه من قبل البرلمان في  سبتمبر 2018، أي قبل حوالي أسبوع من قيام جميع المجالس البلدية البالغ عددها ثلاث مئة و خمسون مجلسًا بأداء اليمين في جميع أنحاء البلاد! إن الفلسفة الحاكمة لهذا التشريع الجديد الطويل، والتي ربما لم ينته معظم المستشارين من قراءتها بعد، هي الحكم التشاركي ولامركزية القرارات المحلية، ضمان ديمقراطية محلية ناجحة وردّ السلطة للشعب... كما كان شعار الثورة!

إذن كيف تجعل الناس يشاركون في صنع القرارات بمدينتهم من أجل ضمان نجاح الحكم الديمقراطي المحلي؟ حسنًا، لقد تم تحديد "النهج القائم على المشاركة" بأسلوبٍ واضحٍ، حيث يحضر السكان الاجتماعات البلدية ويتم التصويت على مشاريع التنمية المجتمعية عن طريق حساب عدد الأيادي المرفوعة أثناء الاجتماع الذي سبق إعلانه، وفقًا للمنهجية المتبعة، ولكن، كيف يمكنك التأكد من أن كل الأشخاص المعنية تأتي فعليًا إلى تلك الاجتماعات!

تعقد معظم اجتماعات البلدية في مبنى البلدية؛ وهي معظمها من الاجتماعات الأكثر مملة التي يمكن أن يحضرها المرء، ويمكنك اعتبار نفسك محظوظًا للغاية إذا حضرت اجتماعًا واحدًا دون أن يدخل أعضاء المجلس في حجة، الشيء الذي يتسبب في تأخير الاجتماعات، وبالتسرُّع في اتخاذ أي قرار يخص المواضيع المهمة! ليس كل السكان لديهم الوقت الكافي والقدرة على المجيء. في الواقع، من المحتمل أنك ستحضر فقط إذا كان لديك طلب شخصي ملح... فكيف نجعل من الحكم التشاركي حكمًا ناجحًا؟

بعد بضعة أشهر من حضور اجتماعات مجلس مدينتي، كان من الواضح أن معظم القرارات المتخذة في المدن، لا تشمل النساء اللاتي بالكاد يحضرن اجتماعات البلدية؛ كما يعاني سكان المناطق البعيدة من صعوبات في التنقل، ومن الممل جدًا أن يحضر الشباب هذه الاجتماعات.

لقد وجدنا الحل... دعنا نستخدم الحلول الرقمية، حتى يتمكن الناس من التصويت على هواتفهم أينما كانوا، وتصبح شؤون المدينة شاملة لجميع سكانها ... ما مدى روعة هذا الأمر... ستتمكن النساء بعد ذلك من التعبير عن آرائهن في الأمور التي تؤثر على مدنهن، مثلهن مثل الشباب المتصل بشبكة المعلومات.  مع كل مهندسي تكنولوجيا المعلومات في البلاد، مثل هذا التطبيق قابل للتنفيذ بالتأكيد! حسنًا، دعنا نتواصل مع صديق يمكنه تطوير الحل الصحيح وجعل مدينتنا ذكية وشاملة وديمقراطية والأهم من ذلك، لاستعادة ثقة السكان في حكومتهم المحلية!

لبدء المشروع، نحتاج إلى كتابة مذكرة تفاهم، والتوقيع على مذكرة التفاهم والتقاط صور للمصافحة بالأيدي ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي... وجميع الضجيج اللازمة لإظهار العالم لإنجازنا قبل تحقيقه ... تم التوقيع ... نحن الآن جاهزون للديمقراطية!

 

بعد بضع محاولات متواضعة، واجهنا التحديات التالية:

لا تمتلك نسبة كبيرة من السكان هواتف ذكية أو أجهزة كمبيوتر في المنزل، بل يصل بهم الأمر الى الكفاح من أجل تسجيل أطفالهم في المدارس عبر نظام التسجيل عبر الإنترنت التابع لوزارة التعليم. كما تفتقر أيضًا بعض المناطق الريفية التي كانت في أمس الحاجة إلى مشاريع تنمية للتصويت عليها، الى شبكة هاتف موثوقة للاتصال بها!

أغلب السكان الذين لديهم هاتف ذكي يشحنون هواتفهم بما مقداره دينارٌ واحدٌ من الإنترنت في الأسبوع؛ مما يعني أن الوقت القليل الذي يقضونه على الإنترنت، سيعطي بالتأكيد الأولوية الى تفقد حسابات أصدقاءهم على مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من تحديد الرصيف الذي يجب صونه، أو ان كان يجب نقل سوق السبت الى خارج وسط المدينة أم لا.

كان هناك أيضا بعض المناقشات المثيرة للاهتمام مع المشككين من كلا الجانبين. من ناحية إدارة البلدية لا تشعر بالارتياح للنهج القائم على المشاركة الجديد بعد سنوات من العمل في سلام على تنفيذ القرارات المركزية؛ من ناحية أخرى، نجد السكان الذين لم يعتادوا على أن يكونوا مواطنين... في الواقع، مع كل ما لدينا من إرادة قوية لإنجاح المشاركة في قرارات المدينة، ما زلت أشعر بالصدمة عندما يسألني أحد السكان "ولكن قد تم انتخابكِ، أنتِ السياسية، فيجب عليكِ أن تعرفِ ماذا يجب فعله، فلماذا تسأليننا؟"

التحدي الآخر المثير للاهتمام هو التشريع نفسه! كان على مجلس مدينتنا التصويت على موضوع ذو أهمية كبرى للمدينة؛ وقد كان تاريخ الاجتماع خلال يوم من أيام الأسبوع، وبما أننا جميع أعضاء المجلس متطوعون، لم يتمكن البعض من الحضور بسبب التزامات العمل، لكنهم صوتوا في هذا الموضوع عبر نظام التصويت الرقمي. ذكرت خلال الاجتماع أن أعضاء المجلس الغائبين صوتوا رقميًا وعلينا أن ندرج أصواتهم، لكن تم إخباري أنه وفقًا لقواعد المشاركة، يمكن احتساب أصوات الحاضرين الذين يرفعون أيديهم فقط! هل يمكننا تغيير السياسة الداخلية لمجالس المدن لتشمل الأصوات الرقمية؟ يبدو أن السؤال نفسه غير مرحبٍ بهٍ!

 

 فالديمقراطية المحلية رحلة طويلة تحتاج الكثير من الايمان والصمود، تحتاج تحويل المتساكن الى مواطن والموظف البلدي من مراقب الى مقدم خدمات واعضاء مجلس بلا روح الانا، قبل ذالك، سنحتفل بالإنجازات قبل تحقيقها ونشرها على  مواقع التواصل الاجتماعي!

 

1 comment

Post A Comment